يعتبر التطوير القيادي من أهم العوامل الداعمة لتمكين القيادات وتطوير قدراتهم للإرتقاء بالمنظمات ومن ثم دعم تحقيق أهدافها الإستراتيجية والتشغيلية. تُشير الدراسات إلى أن حجم الإستثمار في التطوير القيادي تزيد عن 3.4 مليار دولار سنوياً. ولكي نستطيع فهم مستهدفات التطوير القيادي لابد من الرجوع إلى الدراسات العالمية التي تم تطويرها من بيوت الخبرة في هذا المجال الحرج. تشير الأبحاث إلى أنه لكي يُتقن القائد دوره لابد من تحقيق الفهم المتعمق لعدة مستويات (Multi-dimensional Understanding) والذي يساعده في فهم السياق التنظيمي وعليه معرفة مراكز القوى في المنظمة وكيفية التأثير لتنفيذ المبادرات الإستراتيجية والمهام التشغيلية بكفائة وفعالية. وإذا ما أردنا تحقيق رؤية 2030 لابد من القائد في القطاع الحكومي أن يحقق الفهم الرباعي وهو:
الفهم الذاتي (الوعي الذاتي): فهم القائد لذاته وقدراته ومواطن التطوير لديه ويتم في الغالب تطوير هذا الفهم من خلال الخبرة والتغذية الراجعة من الزملاء والرؤساء والمرؤوسين. ولكن في الآونة الأخيرة يتم تسريع هذا الفهم من خلال التقييم السيكومتري وجلسات الكوتشنج لتقييم إنعكاسات الخبرة من ثم استنباط الدروس المستفادة وتوسيع الفهم الذاتي.
الفهم الإداري المحلي: لكي يقوم القائد بدوره على الوجه المطلوب لابد من فهمه لدوره في إدارته ومنطقة التأثير الإداري لديه. ويعنى بهذا، مدى فهم القائد لصلاحياته ومسؤولياته ومستهدفات الأداء لإدارته. كل هذا يساهم في تركيز جهوده اليومية وتوجيه فريقه في الإتجاه الصحيح على مايهم تنفيذه. كثير من المنظمات يتم ترقية المدير إلى منصب إداري بدون عقد تهيئة مناسبة للمدير الجديد لكي يحقق هذا المستوى من الفهم مما يؤثر بدوره على سرعة تحقيق الأداء على مستواه الشخصي ومستوى أداء الأفراد.
الفهم الإداري التنظيمي: لايستطيع القائد القيام بدوره بدون تحقيق الفهم على المستوى التنظيمي لموقع إدارته أو القطاع الذي يديره في سلسلة القيمة النهائية للقيمة في المنظمة. كل منظمة سواءً كانت ربحية أو غير ربحية، حكومية أو قطاع خاص لديها قيمة مضافة تكون هي سبب وجودها. متى ما انتفت القيمة، انتهت أسباب وجود المنظمة. وعليه لتحقيق هذه القيمة، في الغالب تتبع المنظمة سلسلة من الأنشطة من خلال إدارات مختلفة لتطوير وإيصال القيمة النهائية سواءً كانت خدمة أو منتج. وعليه، لابد للقائد أن يفهم دور إدارته في سلسلة القيمة. كما يساهم هذا الفهم في دعم جدارة التعاون كون وذلك بسبب ربط أهداف الإدارة بأهداف المنظمة مستوى المنظمة.
فهم الرؤية: مع رؤية 2030 تم طرح العديد من المبادرات والبرامج التي بدورها تم إسقاطها على جهات حكومية سواءً كانت وزارات أو هيئات. وعليه لابد للقائد من فهم دور المنظمة في تحقيق الرؤية ودور الرؤية في تسيير دفة الجهاز الحكومي. يساهم هذا الفهم في فهم السياق الأكبر (Macro-Level-Context) للجهة الحكومية وأسباب تركيز المنظمة على مبادرات وأهداف معينة. يزيد هذا الفهم من الإرتباط الوظيفي للقائد وربطه بأهداف سامية خارج سياق المنظمة.
وبناءً على ماسبق، لابد لمبادرات التطوير القيادي من إستهداف مستوى الفهم للقيادات وليس فقط التركيز على الجدارات القيادية كما تقوم العديد من الجهات التدريبية. فالجدارات تساعد في تطوير السلوكيات القيادية والتي بدورها تساعد في بناء الثقافة التنظيمية الإيجابية. وإذا ماأضفنا إليها التركيز على مستويات الفهم أعلاه فإننا بدورنا نساهم في تعزيز الإرتباط والإنتماء لدى القائد والذي بدوره يستطيع بثه ونشره إلى المحيطين به وخاصةً مرؤوسيه ممايساهم في زيادة الإرتباط الوظيفي وتحقيق أهداف المنظمة.