إن البحث عن أسرار السلوك البشري أمر سعى له الكثير من الفلاسفة القدامى وحتى علماء النفس الحديثين، فلطالما كان فهم سبب قيامنا بما نقوم به هاجسًا مستمرًا. في الحقيقة، تكمن إحدى تفاصيل هذا اللغز الباهر في شخصياتنا التي تتمثل في كونها القوة الدافعة وراء أفعالنا وقراراتنا. لذلك، في عالم الأعمال اليوم أصبحت تقييمات الشخصية شائعة بشكل متزايد، لما بها من فائدة لا تقدر بثمن في اكتساب رؤية قيّمة حول السمات والخصائص الفريدة للأفراد في المنظمات، فهذه الرؤية لا تقتصر على النمو الشخصي فقط؛ بل بإمكانها أن تكون عامل مهم وأساسي في مساعدة المديرين باتخاذ قرارات أفضل.
في هذه المدونة، سوف نتعمق في عالم تقييمات الشخصية ونستكشف كيف بإمكانها فتح إمكانيات جديدة للمديرين ومساعدتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة تؤدي إلى نجاح المنظمة وتحقيق رؤيتها وأهدافها.
ماهي تقييمات الشخصية؟
تشير تقييمات الشخصية الى التقييم المنهجي والمنظم للأنماط المميزة للفرد في التفكير والشعور والتصرف باستخدام أدوات قوية مصممة بدقة للكشف عن الجوانب المعقدة من شخصيات المرشحين أو الموظفين الحاليين، حيث توفر إطارًا منظمًا لفهم وتصنيف سمات الشخصية المختلفة، والسلوكيات، والتفضيلات لغرض فهم ووصف شخصية الفرد ومعرفة كيف يتصرف في المواقف المختلفة، فهي تمكّن المنظمات من اتخاذ قرارات أكثر وعيًا حول التوظيف والتطوير من خلال تحديد المهارات والمعرفة والقدرات اللازمة لتحسين النتائج التنظيمية.
لماذا يعد فهم الشخصيات في مكان العمل أمر مهم؟
يمكن وصف الشخصية على أنها مجموعة من السمات التي تتكون منها شخصية الأفراد وتختلف من شخص لآخر، حيث أن لكل شخص خصائص تميزه عن غيره. ووفقًا لشركة هوجان - أحد الشركات الرائدة في مجال تقييمات الشخصية – فإن الشخصية هي ما يحدد كيفية عمل الأشخاص تجاه ثلاثة دوافع رئيسية ومدى تحقيقهم لها وهي: التوافق مع الآخرين، والتقدم على الآخرين، وإيجاد المعنى. لذلك فهم شخصيات الآخرين المختلفة له أهمية بالغة في التوصل لأكثر الطرق الفعّالة في التعامل معهم في حياتنا اليومية وتحديدًا بيئة العمل، فعندما يكون المديرين على دراية كاملة وفهم عميق لشخصيات موظفيهم يصبحون أكثر قدرة على خلق بيئة عمل ناجحة وتحديد طرق التطوير التي يحتاجها موظفيهم، وعندما نقول بيئة عمل ناجحة نعني بذلك أن يكون كل موظف في مكانه الصحيح مما يزيد الإنتاجية ويجعل مكان العمل مكانًا أفضل، ففهم شخصية الموظفين يخوّلك بتسليم كل فرد بالمنظمة بالمهام التي تتلاءم مع شخصيته وقدراته، وعلى عكس ذلك فإن توكيل مهام لا تناسب شخصية الموظف قد يؤدي إلى إخفاقات وخيمة تعود على المنظمة بنتائج سلبية، فعلى سبيل المثال، لا يمكنك أن توكّل شخص انطوائي أو خجول بطبعه بأن يقوم بعمل لقاء صحفي بشكل مفاجئ دون استعداد، بينما يمكنك أن توكّل هذه المهمة لشخص يتسم بالفصاحة والقيادية لخدمة هذا الموقف بشكل سليم، وهذا دليل على أن فهم الشخصيات يساعدك على بناء فريق عمل ناجح تستطيع الثقة بقدراته ومهاراته مما يعود على المنظمة بنجاحات باهرة.
كيف تسهم تقييمات الشخصية في المساعدة بعملية صنع القرار بطريقة أفضل؟
تعزز تقييمات الشخصية عملية صنع القرار لدى المديرين بشكل كبير عن طريق فهم السمات الشخصية المختلفة ومعرفة نقاط القوة ومواطن التطوير لدى كل عضو في المنظمة، مما يمكّنهم من اتخاذ قرارات أكثر وضوح فيما يتعلق بتعيين الموظفين، إدارة المواهب، وتطوير الأفراد. فتتيح لهم هذه المعرفة تعيين وتوزيع المهام على الموظفين بما يتلاءم مع قدراتهم وتصميمها وفقًا لذلك لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة لأجل رفع الأداء وتحقيق الإنتاجية المثلى. ومن الجدير بالذكر، أن تقييمات الشخصية تساعد أيضًا على فهم كيف يفضّل كل عضو في الفريق التواصل وتلقي الملاحظات، فعلى سبيل المثال، قد يفضل بعض الأفراد أسلوب الاتصال المباشر بينما آخرون قد يستجيبون بشكل أفضل لنهج أكثر دبلوماسية، ومن خلال التعرف على هذه الاختلافات، يتم تكييف استراتيجيات اتصال خاصة بهم وفقًا لما يناسبهم مما يساعد في بناء علاقات أقوى ويعزز التعاون الفعّال بين أعضاء الفريق في المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، من خلال استخدام تقييمات الشخصية أثناء عمليات التوظيف أو ترقية المرشحين الداخليين لشغل وظائف جديدة؛ يمكن للمديرين ضمان ليس فقط الكفاءة الفنية، ولكن أيضًا الملاءمة الثقافية داخل المنظمة، فقد يؤدي تعيين شخص ما بناءً على مؤهلاته فقط إلى حدوث مشكلات في المستقبل إذا كان لا يتناسب بشكل جيد مع قيم المنظمة أو لا يعمل بشكل فعّال مع أعضاء الفريق الآخرين، فتقييمات الشخصية تقدم معلومات قيّمة حول توافق الفرد مع الفرق الحالية والثقافة التنظيمية قبل اتخاذ قرارات حاسمة بشأن التوظيف أو الترقيات.
